في روايتها الحاصلة على جائزة أفضل رواية في مهرجان القاهرة الثالث للقصص المصورة، والصادرة مؤخرًا عن مركز المحروسة للنشر بعنوان “شبيك لبيك”، تقدم المؤلفة الشابة “دينا محمد” فكرة مميزة تضفي على الواقع لمسات سريالية، فمثلما طرحت “أرض النفاق” ليوسف السباعي سؤالًا كبيرًا حول ما يمكن أن يحدث حال استطاع البشر شراء الأخلاق بالمال، تطرح “شبيك لبيك” أسئلة حول ما يمكن أن يحدث حال استطاع العالم تعبئة الأماني في زجاجات وطرحها للبيع، السؤال الذي يبدو ضخمًا ويغري بالإيغال في الفلسفة، لم ينجح في إغراء المؤلفة بالتخلي عن البساطة على مستوى الحبكة وعلى مستوى السرد، فدينا لم تتخذ من السؤال وسيلة للحديث عن مصير العالم، أو عن قضاياه الكبرى، بل اختارت أن تسقط سرياليتها على الواقع، وتقدم “حدوتة” مصورة، عن أمنية وحيدة عاشت فتاة كادحة سنوات من عمرها لأجل الحصول عليها.
في عالم دينا محمد السحري تنقسم الأمنيات إلى ثلاث درجات، درجة أولى وهي للدول والأغنياء والمحاسيب، ودرجة ثانية للوسط، وأخرى ثالثة وهي المتاحة للقابعين في أسفل الهرم الاجتماعي، والتي عادة ما تفشل في تحقيق أحلامهم، بل وتنقلب في بعض الأحيان وبالًا عليهم، وتفترض المؤلفة أن واحدة من بنات هذه الطبقة الدنيا قد استطاعت أخيرًا وبعد عناء أن تحصل على أمنية من الدرجة الأولى، فماذا ستتمنى؟، ما الذي سيحول بينها وبين حلمها؟، ومن سيحاول سلبها أمنيتها؟
في الرحلة تتعرض المؤلفة بالذكر للعديد من مشكلات الواقع، وتنجح بكلماتها ورسوماتها المتميزة في عمل خليط متماسك إلى حد كبير يجمع ما بين الواقع والخيال، وإن كنا نشيد بالفكرة البراقة للمؤلفة ذات الثلاثة وعشرين ربيعًا، والتماسك الجيد للأحداث، والمعالجة العاطفية التي لا تخلو من لمسات كوميدية جيدة، فإن هذا لا يعني بالضرورة خلو العمل تمامًا من المشكلات، فهناك ارتباك في السرد في بعض المواقف، أحداث لا مبررة أحيانًا -وإن كان يغفرها كون القصة بالكامل تدور في أجواء سريالية-، ورسومات ملونة وسط عمل فني غير ملون بلا سبب درامي أو فني مقنع، غير أنه يمكن القول أن العمل على ما به من نقاط قوة -وهي كثيرة-، ونقاط ضعف -وهي الأقل- يشكل تجربة رائعة يمكن أن تدفع فن “الكوميكس” الذي لا يشغل المكانة التي لا يستحق في الأدب العربي إلى الأمام، ولو بخطوات بسيطة.
لمتابعة القراءة اضغط هنا