ما إن أعلن خبر وفاة الدكتور أحمد خالد توفيق مساء الإثنين 2 إبريل الماضي، إلا وكان الكثيرون من تلاميذه والمتأثرين به ينعونه موضحين حجم التأثير الأدبي للراحل الكبير على أجيال من الشباب، ورغم أن القائمة تضم -بطبيعة الحال- مجموعة من أشهر الكتاب الشباب، أمثال أحمد مراد، محمد عصمت، أحمد العايدي، أحمد الدريني، محمد أبو الغيط وأحمد سمير، غادة عبد العال وغيرهم، إلا أنها لم تخل أيضًا من مجموعة من أدباء الظل، ومن لا يزالون يتلمسون طريقهم في عالم الكتابة على اختلاف طرقها وأنواعها، كأن التأثير الذي تركه الراحل الكبير وراءه يتشكل على هيئة أمواج تلي بعضها البعض، ما يضمن الاستمرار، والتجدد ويؤكد صعوبة حصر ما قام به الرجل على وجه الدقة، فهو كما عبر أحد محبيه فرد قام بدور وزارة ثقافة.
نحن صديقان قديمان
البداية كانت مع عارف فكري، الكاتب الروائي المتخصص في أدب الفانتازيا والمغامرة، والذي يصدر رواياته بشكل إلكتروني عبر تطبيقات الكتب المختلفة، حدثني عارف عن بداياته مع الدكتور أحمد خالد توفيق فقال: “لم أقرأ لدكتور أحمد خالد توفيق إلا في نهاية المرحلة الإعدادية، وبداية الثانوية، ومع تطور شبكة الإنترنت، أصبحت عضوًا في منتدى “شبكة الروايات التفاعلية” وبدأنا نتبادل الرسائل الإلكترونية، وكان -رحمه الله- يحب السينما جدًا، فأخذت رسائلنا طابعًا سينمائيًا نناقش خلالها الأفلام التي نحبها، ويفاجئني في مرة ويرسل لي مقطوعة موسيقية من فيلم نحبه معًا”
يتابع عارف: “في حياتي كلها رأيت الدكتور أحمد خالد توفيق مرتين أو ثلاثة، لكنه وحين عرفني في حفل توقيع كتاب أفلام الحافظة الزرقاء، وقع “الأستاذ عارف فكري، نحن صديقان قديمان” لقد كان إنسانًا جميلًا قبل أن يكون أديبًا رائعًا.”
وعن أدب العراب ورحلته مع الكتابة يقول عارف: “أدب أحمد خالد توفيق يبدو لك في الوهلة الأولى غير مبهر، لا تكاد تحس به، لكنه يتسلل إليك ببطء، وينفذ إلى روحك فيأسرك تمامًا، فالرجل كان لديه القدرة على جعل العادي يتوهج، أذكر أني كتبت مرة مقالًا عن أدبه على موقع “بص وطل” رفضت فيه تسمية الرجل برائد أدب الرعب، فرواياته ليست مرعبة ولكنها تفتح آفاقًا لأشياء كثيرة؛ ميثولوجيا، ثقافة أدبية، أفلام، شخصيات، وترجمات، الرجل أشبه بثقب أسود يجتذبنا لما وراءه ليرينا عوالم لم نكن نحلم برؤيتها قبله، من الظلم إذن أن يُختزل جهد الرجل في فكرة أنه رائد أدب الرعب”
أما عن مسألة التأثر الأدبي بالروائي الكبير يقول عارف: “المسألة كما قلت هي مسألة التسلل إلى روحك، هناك جيل كامل يبدو وكأنه يقلد أحمد خالد توفيق، هو في الحقيقة لا يتعمد ذلك، لكنه التأثير النافذ، أذكر أني اكتشفت أن المشهد الختامي في إحدى رواياتي مكتوب بصورة ما في رواية للدكتور، حينها أدركت كيف يؤثر هذا الرجل على عقلك الباطن وبنائك المعرفي لدرجة أن يستحضر عقلك ما قرأت من كلماته دون أن تشعر حتى”
في رثاء ذيل الحصان … والعراب أيضًا
وإذا كان عارف فكري قد ارتبط مباشرة بالعراب عن طريق الرسائل المتبادلة، وقدم عددًا من الروايات، فأميرة محمود صاحبة كتاب “في رثاء ذيل الحصان” على العكس تمامًا لم تعرف العراب إلا من خلال رواياته، تقول عن تجربتها معه: “كان دائمًا معي، يأخذ بيدي ليضعني على أول الطريق، كان معي في يومي الأول في المدرسة الإعدادية حين اخترت المقعد الأخير لأنه بعيد عن بؤرة الاهتمام ما يتناسب مع انطوائيتي، وحين تعرفت على صديقتي الأولى، وحين لم أجد وسيلة لتقوية أواصر المودة بيننا سوى تعريفها برفعت اسماعيل، كان هديتي لفتاي الطفل حين وقعت في الحب للمرة الأولى، ولا أعتقده يمانع أن تكون كتبه مرسالًا بين المحبين الصغار، وكان طريقي حين كبرت وقادتني قدماي إلى عالم الكتابة الذي كشفه لي بنفسه، ولم أجد غيره لأكتب إليه الإهداء إلى رفعت إسماعيل”.
صرخة الرعب .. ما وراء الطبيعة .. وبنت نبي
من جانبه يؤكد الروائي والصحفي بموقع “شبابيك” محمود حافظ على التأثير الأدبي الكبير لأحمد خالد توفيق فيقول: “أحب أدب الرعب جدًا، بدأت القراءة فيه بسلسلة صرخة الرعب ل “ر.ل.شتاين”، ثم أرشدني بائع الكتب إلى سلسلة “ما وراء الطبيعة” فكانت نقطة التحول، أدركت أن القصة ليست مسألة إثارة فقط إنما جوانب إنسانية عميقة، ثقافة راقية بلا تكلف، وشخصيات عجيبة مركبة”
يتابع قائلًا: “قرأت كل حرف كتبه الرجل، عرفت معنى الحكي، وحين كتبت عملي الأول “بنت نبي” وجدت نفسي “توفيقيًا” بشدة، حتى أنني ذكرت اسمه واسم سلسلته على ألسنة أبطالي، تأثير هذا الرجل نافذ للغاية، تأثرت به تأثري به هاروكي موراكامي، وستيفن كينج، فهو المعادل لهم في مصر من وجهة نظري”.
ليس فقط في مصر
والحقيقة أننا حين أكدنا على صعوبة حصر وتحديد مقدار الأثر الذي أحدثه الروائي الراحل في المشهد الأدبي، لم نكن نعتمد فقط على كون بعض المتأثرين به بشدة لم ينشروا ورقيًا بعد، أو على كونهم أصحاب عمل وحيد حتى الآن ما يجعل المستقبل مفتوحًا أمامهم، ويعزز من فرص تأثير العراب في المشهد الثقافي المستقبلي، ولكن كنا نقصد أيضًا تمدد هذا التأثير ليشمل أدباء عرب ليسوا على رادار الرصد الثقافي الكلاسيكي، الكاتبة السورية لينا عطار المحررة بموقع أراجيك، تتحدث عن هذا التأثير فتقول: “رغم الشخصية المصرية الواضحة في رواياته إلا أنها لم تمثل عقبة في طريق أي عربي، ولم تمنعه من التفاعل مع إنتاج الأديب الراحل وحبه، بل والتفكير بطريقته، فأدبه وإن كان مصري القالب لكن روحه كانت قادرة على الدخول لأي بيت والتأثير في أي جنسية، بسبب امتلاك العراب للكثير من المعرفة، الكثير من الخبرة الحياتية، والكثير من التجارب التي ينقلها إليك فكأنك عشتها، نحن نرى اليوم أثره في جيل كامل عاش معه وتعلم منه حب القراءة والمعرفة، وسيستمر هذا الأثر …”
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، إذا كان تأثير العراب الراحل ممتد إلى هذه الدرجة، إذا جعلتنا هذه الشهادات نميل إلى رأي عارف فكري حين يقول “أدبه غير مقدر الآن بما يستحق، ولكنا سندرك أهميته بعد 50 عامًا، ستتوارث الأجيال هذا الأدب، خاصة مع الفقر الذي تعانيه المكتبة العربية في أدب الناشئة، وستكتمل التجارب الأدبية للجيل الذي أثر فيه، عندها فقط سندرك حجمه الحقيقي”، فلماذا يحاط منتجه الأدبي بكل هذا اللغط؟ ولماذا يعتبره البعض أدبًا من الدرجة الثانية؟
الروائي والمترجم المتخصص في أدب الرعب محمد عصمت يجيب على هذا السؤال قائلًا: “أعتقد أن هذه الاتهامات تكشف جهلًا عند الذين يطلقونها، ولا تكشف عيبًا في الرجل، فالأديب الكبير كان الباب الذي عبرنا منه جميعًا، وكان طريقنا نحو القراءة، وهذا هو جوهر النوع الأدبي الذي يقدمه، فلا يتصور عاقل أن ينتقل الطفل من قراءة مجلات الأطفال إلى القراءة لنجيب محفوظ وديستوفيسكي وكونديرا، لابد إذا من مرحلة وسيطة وقنطرة، وكان هو هذه المرحلة، فأن تأتي أنت وتتهمه بالضعف أو الركاكة لأنه لا يكتب بطريقة معينة، أو لأن أدبه موجه لفئة معينة -لم تكن لتقرأ لولاه-، فالمشكلة فيك أنت، والمسألة هنا ليست مصادرة على الآراء، فمن حق كل واحد أن يقيم الأدب بالطريقة التي يراها، ومن حقنا أيضًا أن نتجاهل الرأي الذي نظن صاحبه غير مؤهل لدرجة عدم تمييز الفروق بين الأنواع الأدبية المختلفة”