بدأ الاهتمام العربي بجائزة نوبل للآداب مبكرًا، ففي عام 1930 طرحت مجلة “اللطائف المصورة” سؤالًا على قرائها حول الأديب المصري الأحق بجائزة نوبل؟!، ورغم غرابة السؤال وقتها إلا أنه عكس حالة من الاهتمام الكبير والمبكر بهذه الجائزة الرفيعة، وتشير الوثائق الرسمية التي كشفت عنها الجائزة إلى أن الدكتور طه حسين كان أول عربي يترشح للحصول على الجائزة الأدبية الأهم عام 1949 بعد 19 عامًا كاملة من طرح اللطائف لسؤالها هذا، العجيب أنه ورغم هذا الاهتمام الكبير، والترشيحات التي بدأت عام 1949 لم يستطع العرب الحصول على الجائزة سوى بعدها ب 39 عامًا حين فاز نجيب محفوظ بأول وأخر نوبل عربية في الآداب حتى الآن.
والسؤال الذي يطرح نفسه منذ 30 عامًا تقريبًا هو لماذا يغيب الأدب العربي عن منصات نوبل، هل لأسباب أدبية تتعلق بنقص في الجودة الأدبية للمنتج العربي؟ أم لأسباب غير أدبية تتعلق بانحيازات لجنة التحكيم وتقدح في نزاهتها أو في ذائقتها الأدبية؟
“أخبار الأدب” التقت عددًا من كبار المثقفين المصريين والعرب وسألتهم حول الجائزة، وفتحت هذا الجرح الأدبي.
تدخلات سياسية
البداية كانت مع وزير الثقافة الأسبق الدكتور جابر عصفور الذي أكد ابتداءً على أهمية الجائزة وقيمتها لكنه أرجع أسباب غيابها عن العرب إلى ما أسماه “سوء الظن بالأدب العربي وبإبداعه، وعدم الترجمة الكافية له إلى اللغات الأخرى” أولًا، وإلى “الانحيازات والتدخلات السياسية في الجائزة” ثانيًا، يقول المفكر المصري الكبير: “سواء كنا نتحدث عن الكتاب المصريين، أو عن الكتاب العرب في العموم، فأنا متأكد من استحقاق بعض هؤلاء الكتاب لهذه الجائزة الرفيعة، محمود درويش في حياته كان يستحق نوبل بكل تأكيد لكن النفوذ الصهيوني منعه من الحصول عليها في رأيي، كتاب عرب أحياء يستحقون الحصول على نوبل، على سبيل المثال أعتقد أن أدونيس يستحق، واسيني الأعرج يستحق، إبراهيم الكوني، وغيرهم الكثير وكل هؤلاء ترجمت أعمالهم إلى لغات العالم الحية، وبالتالي لا يمكن التحجج بأن العالم لا يعرفهم، ومن ثم أرى أن مسألة الانحياز والاعتبارات السياسية والجغرافية تلعب دورًا مهمًا في عدم حصول العرب على الجائزة.”
ويتابع الوزير الأسبق: “الفضيحة الأخيرة التي تفجرت وأدت إلى حجب الجائزة هذا العام تكشف جوانب الفساد التي طالت الجائزة العريقة، الأمر علامة واضحة جدًا على اختلال المعايير، أرى حجب الجائزة هذا العام بمثابة اعتراف رسمي من لجنتها بهذا الاختلال، وبوقوع ضغوط تؤثر على عمل اللجنة وعلى نزاهة اختياراتها” وعن مستقبل الجائزة يقول الدكتور عصفور: “ستظل جائزة نوبل تحمل قيمة كبيرة للغاية، ورغم كل شيء أرى حجبها هذا العام موقفًا شجاعًا من القائمين عليها، ومحاولة لتصحيح المسار نتمنى أن تنجح”.
انحيازات ثقافية وجغرافية
من جانبه يرى أستاذ الأدب العربي الحديث بكلية الآداب جامعة القاهرة الدكتور حسين حمودة أنه من الصعب التشكيك في نزاهة لجنة نوبل، ولكن لابد من الاعتراف بانحيازاتها الثقافية الجغرافية يقول أستاذ الأدب العربي: “إذا نظرنا إلى عدد الفائزين بجائزة نوبل للآداب في قارتي أفريقيا وآسيا سنجد أن عددهم لا يتناسب إطلاقًا مع عدد الكتاب الحاصلين عليها في قارة أوروبا مثلًا، وحتى في أوروبا فإن أسماءً لامعة كانت تستحق الفوز ولم تفز، منهم على سبيل المثال ليو تولستوي، ونيكوس كازانتزاكيس، الواضح أن هذه الجائزة لن تلتفت إلى المبدعين العرب لفترة ما، رغم وجود العديد من الكتاب العرب الذين يستحقون هذه الجائزة المهمة”
وعن رأيه في مدى تأثير الفضيحة الأخيرة وما يلاحق اللجنة من اتهامات دائمة بالتحيز على قيمة الجائزة نفسها يقول الدكتور حمودة: “جائزة نوبل لها ميراث طويل ممتد، وهي في كثير من الأحوال تنتبه إلى عدد من المبدعين الكبار الذين يكتبون بلغات متعددة، وبسبب التقاليد العريقة التي أحاطت دائمًا بلجنة تحكيمها، وعليه فمن الصعب أن تؤثر هذه الفضيحة في قيمة الجائزة، أو أن تطلق حكمًا عامًا بعدم نزاهة لجنة التحكيم، أعتقد أن المشكلة ليست في عدم النزاهة، ولكن في الانحياز إلى لغات دون لغات وإلى ثقافات دون أخرى، ولكن المؤكد هنا أن أغلب الحاصلين على جائزة نوبل عبر تاريخها الطويل يستحقون، وإن كان هناك بعض التحفظات على الجائزة، أو لجان تحكيمها، فإنها لا تصل أبدًا إلى حد التسفيه من قيمتها ولا من أهميتها”
لا تريد شاعرًا عربيًا
من جهته يتفق أستاذ النقد الأدبي الحديث بالمعهد العالي للسينما الدكتور شوكت المصري مع الطرح القائل بانحياز جائزة نوبل فيقول: “أعتقد أن الجائزة فيها جزء من عدم النزاهة، والتوجيه السياسي، في رأيي عدم حصول شاعر عربي على الجائزة -حتى الآن- دليل على هذا الانحياز، فمثلًا محمود درويش كان يستحق هذه الجائزة بكل تأكيد، وأعتقد أنه حرم هذه الجائزة بمعايير سياسية لا معايير أدبية، أعتقد -وكان هذا أيضًا رأي الشاعر الكبير محمد عفيفي مطر- أن لجنة نوبل لا تريد أن تمنح شاعرًا عربيًا الجائزة، ولا تريد لفت الانتباه إلى الميراث الأدبي العربي الممتد لأكثر من 1500 عام”
ويتابع المصري حديثه قائلًا: “ليس على مستوى الشعر فقط، فعلى مستوى الرواية هناك الكثير من الأدباء العرب الذين كانوا يستحقون الحصول على هذه الجائزة أمثال الطيب صالح، وعبد الرحمن منيف، حتى على مستوى الأدباء الأحياء، فإبراهيم الكوني، وبهاء طاهر يستحقان الجائزة في نظري، لكن هذا لا ينسينا شيء مهم جدًا، أننا مقصرون كعرب في الترجمة والترويج لأدبائنا الكبار بما يكفي ليفوزوا، والمسألة هنا جدلية جدًا، لأننا حين نتهم أنفسنا بالتقصير وعدم التعريف بأنفسنا، نفاجئ أحيانًا بفوز أدباء مغمورين بالجائزة، وكأن المشكلة ليست في الترجمة أو الترويج للأدب بقدر ما هي في اللجنة نفسها”
أما فيما يخص مسألة حجب الجائزة هذا العام يقول المصري: “حجب الجائزة هو محاولة لإثبات نزاهة الجائزة، والخطأ وارد في أي عمل بشري، وليست المشكلة في الخطأ المهم -في نظري- أنهم تداركوه، لا أعتقد أن ما حدث سيؤثر على قيمة جائزة نوبل رغم كل الخلاف حولها، فقيمة نوبل كبيرة للغاية، تاريخ الجائزة يشفع لها، وأعتقد أن لديها القدرة على الوقوف على أقدامها مرة أخرى وتجاوز مسألة فضيحة التحرش قريبًا، وعلى كل حال فالأدب الحقيقي لا يحتاج إلى جوائز، والجوائز في العموم لا تصنع أديبًا عظيمًا، هيمنجواي كان أديبًا عظيمًا قبل نوبل، وظل بعدها، فالأمر ليس بالجوائز”
الجوائز بطبيعتها جدلية
على الجانب الأخر يرى الأديب السوداني حمور زيادة أن الجوائز بطبعها جدلية، ولن يتفق عليها الجميع، وبالتالي فهو متصالح مع الجائزة ولا يحمل هواجسًا تجاه مصداقيتها يقول الأديب السوداني الذي سبق ودخلت روايته “شوق الدراويش” القائمة القصيرة للبوكر العربية: “ليس لدي هاجس تجاه مصداقية الجوائز الأدبية وأولها جائزة نوبل للأدب، من طبع الجوائز أنها جدلية، ولا أظن الناس تتفق على استحقاق حائز للجائزة، قد يتفقون على استحقاق من لم يحصل عليها ولكن بمجرد حصوله يبدأ الجدل حول المصداقية والاستحقاق، هناك رأي عام أدبي واسع إلى حد كبير يعتبر عبد الرحمن منيف والطيب صالح كانا يستحقان نوبل، ولكن لو حصل عليها واحد منهما، لكنا بدأنا جدلًا حول مدى استحقاق الفائز، تمامًا كالجدل الذي صاحب إعلان فوز نجيب محفوظ بالجائزة، فكما اتهم محفوظ أنه حصل عليها لموقفه من عملية السلام في الشرق الاوسط أو لموقفه من الاديان في رواية اولاد حارتنا، كان صالح ومنيف -حال فوزهما- سيتهمان باتهامات تجعل حصولهما على الجائزة تم لأسباب غير أدبية، وكنا سنرى اعتراضات عليهما في هذه اللحظة، أيا كان اسم الفائز وجنسيته فسيختلف حوله الناس”
أما عن مسألة عدم فوز أديب عربي بالجائزة منذ فوز نجيب محفوظ بها عام 1988 أي منذ ما يقارب الثلاثين عامًا قال زيادة: “عدم حصول أديب عربي على الجائزة لكل هذا الوقت ربما له عدة أسباب على رأسها أن نوبل في الأصل جائزة غربية فتمددها خارج الثقافة والمحيط الغربي هو تمدد شبه استثنائي ويحدث ببطء -هذا ليس ذمًا للجائزة أو قدحًا فيها- ولكن هو ما أراه واقعها، ولا أعتبره ينقص من قيمتها الأدبية، لذلك فإن مركزها دائمًا هو قارة أوروبا وما يتعلق بها ومقدار ما يفهمه العقل الأوربي والذائقة الأوروبية من أدب العالم”.
ويتابع زيادة حديثه قائلًا: “السبب الثاني في نظري لعدم حصول الأدب العربي على نوبل منذ نجيب محفوظ هو سبب محلي مرتبط بنا كعرب، إن شرط التأثير الذي تذكره عادة لجنة نوبل حين تمنح الجائزة يكاد ينعدم في أغلب أدبنا، أو لنقل إن التأثير عادة مرحلي ومؤقت، ولذلك فما عدا أسماء عربية قليلة من أمثال نجيب محفوظ، الطيب صالح، عبد الرحمن منيف، وحنا مينا من الصعب أن تجد أثرًا أدبيًا ممتدًا -أنا لا أنفي وجوده- لكن أقول إن العثور عليه فيه شيء من المشقة”
وحول رؤيته لمستقبل الأدب العربي ومدى قدرة المشاريع الأدبية الشابة على الفوز بنوبل مستقبلًا قال الأديب السوداني: “الله أعلم، أظن التنبؤ صعب، الصديق الصحفي محمد شعير نشر قبل فترة جزءًا من أرشيف ترشيحات نوبل للعرب، فوجدنا أسماءً ربما لن يفكر فيها أغلبنا اليوم، لذلك فإن مسألة الترشيح وآليته لهما دور كبير في وصول المرشح إلى قوائم نوبل، أما عن المشاريع الأدبية الشابة فربما من المبكر الحكم على كثير منها”
أما عن رؤيته لتأثير فضيحة التحرش التي أحاطت بالجائزة هذا العام قال زيادة: “أعتقد أن تأجيل الجائزة هذا العام قرار صائب وحميد، ما كان لفضيحة كهذه أن تمر كأن شيئًا لم يحدث، قضية النساء اليوم قضية مهمة جدًا ولا يمكن تجاهلها، والتأجيل بدلًا من الإلغاء فيه حفاظ على حق الأدباء، وهذا أمر جيد، كيف ستتم آلية الاختيار للتوفيق بين اختيار فائزين لعامين في دورة واحدة هذا لا اعرفه بعد، ولكن في رأيي لا شيء مقلق، فلنفترض جدلًا أن اللجنة الجديدة فشلت في الاختيار وتخبطت، لا يعني هذا أننا أمام كارثة أدبية، هذه مرة استثنائية في عمر جائزة مهمة، والأخطاء واردة، واختصارًا أنا متصالح مع مسألة الجوائز، ومع كونها دائمًا جدلية، ولا أعتبر نفسي رقيبًا على أداء أي لجنة اختيار، في جائزة محلية أو عالمية، أتلقى أخبار اختياراتهم كخبر عادي، إما أن أهز رأسي وأقول أحسنوا فعلًا، أو أهز كتفي وأقول عجيبة، ثم أمضي لحال سبيلي!”
الطرح الذي قدمه حمور زيادة حول جدلية الجائزة يتفق معه إلى حد كبير مواطنه الروائي السوداني أمير تاج السر، الذي قال في مقال نشرته القدس العربي في 14 مايو الماضي بعنوان “مآساة نوبل الآداب”: “قد يأتي الاختيار بكاتب لا يملك تاريخا أدبيا يكفي لمنحه حتى جائزة في ناد ثقافي صغير، ويبدأ اللغط طبعا، وتبدأ النقاشات الحامية، ولا شيء يتعدل، بل تنشط حركة الترجمة للغات المختلفة، ويعرف المغمور جيدا بعد ذلك … نحن محرومون هذا العام من لغط جائزة نوبل للأدب، لن نتكهن باسم، ولن نترقب لحظة الإعلان، وننتظر بعد ذلك استطلاعات الرأي التي تتقصى ردود الأفعال، وشخصيا لست من المؤيدين لتجميد الجائزة، فالفضائح الأخلاقية موجودة دائما، والفساد المالي، لن ينتهي أبدا ما دامت ثمة مصالح هنا وهناك.”
ليست أهم جائزة أدبية
هي جائزة جدلية إذًا، لها أهميتها الكبرى، حتى عند من يراها لا تخضع لمعايير موضوعية، أو تفتقد للنزاهة، ولها تاريخها العريق الذي يجعلها واحدة من أهم الجوائز الأدبية -إن لم تكن الأهم على الإطلاق- ولكن يطرح هذا الجدل حول الجائزة سؤالًا حول كيف يراها الأدباء الشباب؟، وهل ما الت الجائزة تحمل نفس جاذبيتها ووهجها السابق؟
يرفض الروائي الشاب حازم عزت سعد اعتبار جائزة نوبل الجائزة الأدبية الأهم في العالم، يشبهها بجائزة الأوسكار الأمريكية في السينما فيقول: “جائزة نوبل ليست الجائزة الأدبية الأهم في نظري -هي جائزة مهمة بكل تأكيد لا يمكن انكار هذا- هي تشبه إلى حد كبير جائزة الأوسكار تكتسب أهميتها بالأساس من الوهج الإعلامي حولها، كل الأفلام التي تحصل على الأوسكار تشاهد أكثر، وكل الأدباء الذين يحصلون على نوبل يُقرأون أكثر، هذا هو كل ما في الأمر، لكن نقديًا مهرجان “كان” في فرنسا مثلًا أهم كثيرًا من جائزة الأوسكار، ويعرض أفلامًا أفضل، نفس الأمر بالنسبة لجائزة نوبل، هناك مسابقات أدبية أفضل وأكثر قيمة على مستوى النقدي، لكن نوبل هي التي تعطي الأدباء الشهرة الأكبر، وهي صاحبة الأضواء الأعلى، والتي يريد كل أديب الحصول عليها، ولكن الأديب الحقيقي هو الذي يكتب للأدب من غير تفكير في جائزة، ثم تفاجئه الجائزة بعد ذلك، أما هؤلاء الذين يكتبون لأجل الحصول على جائزة بعينها فلن تأتيهم أبدًا”
فيما يخص مسألة مخاصمة الجائزة على مدى الثلاثة عقود الماضية للأدباء العرب يعتقد سعد أن المشكلة عربية ولا يؤمن كثيرًا بمسألة تحيز اللجنة، فيقول: “بمقارنة الإنتاج الأدبي لنجيب محفوظ مثلًا ببقية الأدباء العرب يمكننا أن ندرك لماذا فاز محفوظ بالجائزة، ولم يفز غيره، إنتاج محفوظ غزير، ومؤثر، وأصيل، ويمتاز بنقطة يصعب إيجادها في بقية الإنتاج الأدبي العربي، هي أن مستوى أدبه كان تصاعديًا، وأنه حافظ على مستوى معين من الجودة -رغم كثرة الإنتاج- لم تهبط أي رواية له عنه أبدًا، إضافة إلى تجديده الكبير وتأثيره في الرواية العربية، وهو ما تفتقده الكثير من الأسماء العربية التي ترشح للجائزة، فمعظم الأسماء المطروحة لها عمل أو اثنين يمثلان قمة الإبداع الأدبي، ولكنك لا تجد المستوى نفسه في بقية الأعمال، أما محفوظ فقد حافظ على مستوى أدبي جعل مشواره الكلي يستحق نوبل”.