يحتضن شارع المعز التاريخي بالقاهرة الفاعليات التي تقيمها الهيئة العامة لقصور الثقافة في الفترة من 6 إلى 20 رمضان بمناسبة شهر رمضان المبارك، والتي تحمل هذا العام عنوان “ليالي رمضان الثقافية والفنية”، وتتوزع الفاعليات على عدة أماكن داخل الشارع القاهري التاريخي هي مسرح سور القاهرة الشمالي، مسرح الشارع، ووكالة بازرعة.
وتقيم الهيئة فاعلياتها الرئيسية على المسرح الكبير بسور القاهرة الشمالي حيث تقدم الفرق الفنية التابعة لها عروضًا استعراضية، إلى جانب عروض فنية تقدمها فرقة الموسيقى العربية، وفرقة قصور الثقافة لأغاني الشباب.
وفي وكالة بازرعة تقدم الهيئة برنامجًا ينقسم إلى ثلاث فقرات هي مناقشة أحد الكتب بحضور المؤلف ومدير للجلسة وناقد متخصص، ثم تكريم لأبطال حرب أكتوبر/ رمضان المجيدة من الأدباء، ثم يعقب التكريم أمسية شعرية يلقي خلالها الشعراء من مختلف محافظات الجمهورية أشعارهم على الحضور.
أما على مسرح الطفل فتقام عدة فقرات يومية منها الأفلام التسجيلية، والعروض المسرحية بالعرائس، كما تقام أيضًا مجموعة من الورش الفنية والمعارض على هامش الفاعليات.
“أخبار الأدب” أفردت للفاعليات الأدبية والشعرية في وكالة بازرعة تغطية خاصة، وشهدت مناقشات المثقفين حول مناسبة المكان من عدمه، والكواليس التي أحاطت بالتنظيم، رصدت الإيجابيات وسجلت السلبيات، واستطلعت الآراء حول عدد من القضايا الأدبية الشائكة.
الكواليس
البداية كانت مع الشاعر أشرف أبو جليل مدير عام الثقافة العامة بالثقافة الجماهيرية والذي قال إن الهيئة العامة لقصور الثقافة تعمل على تفادي سلبيات الدورات السابقة من هذه الليالي الرمضانية، وأشار أبو جليل إلى أن الهيئة دعت في العام الماضي عدد كبير من الشعراء إلى أمسياتها الثقافية غير أن نسبة الاعتذارات تعدت الثلاثين في المئة ما جعل الهيئة -حينها- في موقف صعب، الأمر الذي دفعنا هذا العام إلى إرسال استمارة رغبة إلى الشعراء في المحافظات وأندية الأدب المختلفة لاستطلاع رغبتهم في الحضور من عدمه قبل توجيه الدعوة إليهم حتى لا نفاجئ بنسبة اعتذارات عالية تعيق الفاعليات، وتابع أبو جليل: “للأسف بعض المحافظات لم ترد، وبعض أندية الأدب لم تبد رغبة في المشاركة، ورغم هذا تغلبنا على كل العوائق ومثلنا كل المحافظات بشكل عادل، إلا أننا فوجئنا ببعض شعراء المحافظات يعتذرون قبل أيام قليلة من الفاعلية بعد أن أكدوا حضورهم أكثر من مرة ثم خرجوا بعد ذلك يشتكون التهميش وعدم التمثيل في ليالي رمضان الثقافية!”
وعن بعض الأصوات الثقافية التي عارضت تكريم المبدعين المشاركين في حرب أكتوبر/ رمضان المجيدة على اعتبار أنه تكريم على مقياس غير إبداعي، يتساوى فيه صاحب الأدب الجيد مع صاحب الأدب الرديء قال أبو جليل: “إن وفاة الشاعر الكبير وفنان الواو الجنوبي محمد خربوش بعد تكريمه بيومين أبلغ رد على الأصوات القليلة التي عارضت إقامة برنامج البندقية والقلم لتكريم مبدعينا ممن شاركوا في الحرب”، وتابع مدير عام الثقافة العامة: “أنا سعيد لأننا استطعنا أن نكرم الشاعر الكبير قبل وفاته، غير أني حزين لأننا لم نوثق هذه الحكايات التي يرويها الأبطال من الأدباء المكرمين، ويشهد الله أنني تقدمت بمقترح التوثيق منذ مدة طويلة واقترحت أيضًا أن نخاطب إدارة الشؤون المعنوية بالقوات المسلحة لتوثق معنا هذه الشهادات غير أن الاقتراح فيما يبدو لم يأخذ طريقه أو شكله الإداري الصحيح، ولقد كانت فكرتي أن نوثق الحكايات في كتاب، ولكني الآن أرى أنه يجب أن توثق في صورة فيديو وأن تحفظ للأجيال القادمة، ولعلنا نستطيع أن نقوم بهذا في أكتوبر القادم إن شاء الله مع الاحتفال بذكرى النصر”.
بازرعة ليست مكانًا مناسبًا
على الجانب الأخر وفي بداية كلمته على هامش مناقشة المسرحية الصادرة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة “حكاية سعيد الوزان” للمؤلف المسرحي إبراهيم الحسيني، أبدى الناقد المسرحي خالد رسلان رئيس تحرير سلسلة نصوص مسرحية استياءه من اختيار وكالة بازرعة مرة أخرى كمكان لعقد الفاعليات الخاصة بمناقشات وعرض الكتب، وقال رسلان: “لا أعرف السبب الذي يجعل الزملاء يصرون على إقامة الفاعليات الثقافية في بازرعة، مع احترامي لجميع الآراء ولكن المكان غير مناسب لعمل ندوات ثقافية، لا جمهور هذا العام أيضًا، ولا جدوى من مناقشة أعمال إبداعية طالما أنه ليس هناك أخذ ورد وتفاعل جماهيري، أعتقد أن المكان يمكن أن يكون مناسبًا للندوات الإبداعية، إلقاء الشعر، جلسات الحكي، لكن الحوار الفكري والمناقشات فلا أظنها مناسبة هنا”.
أما عن مسرحية “حكاية سعيد الوزان” قال رئيس تحرير سلسلة نصوص مسرحية: “إن تجربة مؤلفها إبراهيم الحسيني واحدة من أثرى تجارب التسعينيات، إذ تنبع من قدرة الرجل على التقاط التقنيات الحديثة وصناعتها في حبكة أكثر نضجًا من المحيطين من الكتاب، فعلى سبيل المثال لم يبتكر شكسبير مسرحًا جديدًا، فالتقنيات كانت موجودة في الكثيرين من حوله، لكنه كان قادرًا على التقاط هذه التقنيات بشكل أكثر نضجًا، وهو ما يتميز به الحسيني أيضًا مسألة المعالجة بشكل أكثر نضجًا”
أزمة إخراج لا أزمة تأليف
وردًا على سؤال لأخبار الأدب حول أزمة المسرح في مصر، وحجب لجنة تحكيم المهرجان القومي للمسرح لجائزة التأليف المسرحي في العام الماضي قال رسلان: “يجب أن نضع هذا الأمر في سياقاته الطبيعية، لا نستطيع أن نقول أن في مصر أزمة تأليف مسرحي لأن لجنة تحكيم المهرجان القومي للمسرح حجبت الجائزة، اللجنة قيمت النصوص التي اختارها المخرجون للعرض، ولم تقيم كل النصوص التي تصدر، وبالتالي فالأزمة في رأيي هي أزمة مخرج لا أزمة مؤلف، سلسلة نصوص مسرحية عن الهيئة العامة لقصور الثقافة يصدر عنها كتاب كل شهر، والهيئة العامة للكتاب تصدر كتابًا كل شهر عبر سلسلة إبداعات مسرحية، إضافة إلى جوائز تهتم بالتأليف المسرحي كجائزة ساويرس، وجائزة هيئة قصور الثقافة، وغيرها، فمن كل هذه النصوص لا يعقل أنه ليس هناك نص جيد، المشكلة في رأيي نابعة من اختيارات المخرجين، أو من تنفيذهم للنص على خشبة المسرح بشكل يفسده أحيانًا إذا لم يكن المخرج متمكنًا مما يفعل، وبالتالي قولًا واحدًا ليس هناك أزمة في الكتابة المسرحية، ولكن هناك أزمة في الإخراج المسرحي يجب أن يملك المخرج الرؤية والثقافة ليختار نصًا مسرحيًا جيدًا ولينفذه بشكل مميز”
زمن الدراما
وإذا كان الناقد المسرحي خالد رسلان قد ناقش أزمة المسرح، فإن الدكتور حسن عطية العميد السابق للمعهد العالي للفنون المسرحية والشعبية وعضو اللجنة العليا للدراما التليفزيونية يميل ناحية الدراما التلفزيونية والإذاعية، ففي كتابه زمن الدراما والذي تمت مناقشته خلال فاعليات ليالي رمضان الثقافية في الندوة التي أدارها الشاعر مدحت العيسوي، وناقشه خلالها الناقد أحمد هاشم، يرد الدكتور حسن عطية على كتاب الدكتور جابر عصفور زمن الرواية، ويختلف مؤلف “زمن الدراما” مع ما اعتبره عصفور انتشارًا للرواية ويؤكد أننا بكل تأكيد نعيش زمن الدراما لا الرواية، فالرواية بحسب عطية تحتاج إلى قارئ خاص، بعكس الدراما التي يراها الجمهور ويتذوقها باختلاف طبقاته وتنتشر بشكل أكبر بين الناس، وقال عطية: “أبرز دليل على أننا في زمن الدراما الملايين التي تشاهد مسلسلات رمضان اليوم، فتتأثر بها”.
مشكلات الدراما التلفزيونية
وفي إجابة على سؤال وجهه الناقد أحمد هاشم حول مشكلات الدراما التلفزيونية وأزمة كتاب الدراما في الوقت الراهن، قال عطية: “مشكلة الدراما التلفزيونية لها سببان في رأيي الأول طول الحلقات، فالمؤلف مطالب بملأ 30 وأحيانًا 45 و60 حلقة في المسلسلات الطويلة، وما لم يكن المؤلف متمرسًا فإنه يفقد الخطوط ويضيع عناصر العمل، والثاني انتشار فكرة ورش الكتابة في الفترة الأخيرة، فيصبح المسلسل الواحد له أكثر من مؤلف فلا تعرف على وجه التحديد من هو الشخص الذي يمكنك مناقشته أو محاسبته على النص الضعيف، وهذه هي الأسماء المعلنة فما بالك بالأسماء الخفية والتي شاركت بشكل أو بأخر دون أن يكتب اسمها على التتر، أو ما يشاع عن أسماء كبرى تشتري السيناريو بالكامل من الشباب وتضع اسمها عليه فقط للبيع، هذا الجو العام ينشئ المشكلة ويزيدها، الأمر ناتج بالأساس عن تحويل الدراما التلفزيونية إلى سلعة تجارية قائمة على النجم، وبالتالي تصبح الكتابة في خدمة النجم لا في خدمة العمل الفني أو الإبداعي، الكثير من كبار الكتاب لديهم أعمال “مركونة” ولا يلتفت إليها في مقابل بيع أفكار الشباب وتسليعها لصالح الدراما الرمضانية”.
البندقية والقلم
وإذا كنا تناولنا كتابي “حكاية سعيد الوزان”، و”زمن الدراما” وما دار حولهما من نقاشات وقضايا ثقافية كمثالين على الكتب التي تمت أو ستتم مناقشتها خلال الليالي الثقافية القادمة، فإن الفقرة الثانية من البرنامج لم تقل أهمية ولا ألقًا عن الفقرة الأولى، فبعد المناقشات الثقافية تحل فقرة تكريم المبدعين ممن شاركوا في حرب أكتوبر المجيدة ليبدأ فيها المقاتل الأديب حكيًا جديرًا بالرصد والتوثيق عن ذكرياته الشخصية على جبهة القتال، وبطولات صغار الضباط والجنود التي لم تأخذ حقها الكافي من التسجيل والاحتفاء في ظل التركيز على أدوار القادة وكبار الضباط في الحرب، فعلى سبيل المثال حكى الروائي محمد اللبودي عن فترة تجنيده في صفوف القوات المسلحة والتي اعتبرها بدأت يوم عاد أخوه مهزومًا بعد نكسة عام 1967، فأقسم حينها على الأخذ بالثأر واستعادة الأرض المحتلة، الأمر الذي تحقق في عام 1973 بعد عدد من العمليات الناجحة التي قام بها مع رفاقه في سلاح المخابرات الحربية قبل الحرب لاستطلاع وتدمير بعض نقاط العدو في سيناء، وعن تأثير الحرب على أدبه قال اللبودي أنه سجل بعض مشاهد الحرب في قصص قصيرة غير أنه لم ينتج رواية طويلة تتناول الحرب بعد، من جانبه تحدث الشاعر محمد عبد المحسن مطر عن فترة تجنيده في القوات المسلحة والتي كانت أيضًا في المخابرات الحربية، وألقى عددًا من قصائده التي صورت بطولات الجنود وتضحياتهم من أجل استعادة سيناء.
والملاحظ في تجربة كلًا من الأديبين محمد اللبودي ومحمد مطر هو أن انفعالهما بالحرب لم يكن منظمًا بالقدر الكافي ولم يهتما بتجميعه في كتاب واحد ولم تدر تجربتهما الأدبية حوله بالأساس، ما يعيد فتح نقاش قديم حول أدب الحرب في مصر، وخفوت نجمه رغم ما خاضه المصريون من معارك متعددة تحمل في طياتها -بكل تأكيد- ما يلهم المبدع ويحفزه على الكتابة!
وإذا كانت التجربة الأدبية للكاتب محمد اللبودي حول الحرب اقتصرت على القصص القصيرة، فإن الروائي والضابط بالقوات المسلحة أثناء حرب أكتوبر أحمد ماضي -وهو أحد المكرمين ضمن برنامج البندقية والقلم- قد جمع في كتاباته عن الحرب ما بين الرواية والقصة القصيرة، يقول ماضي: “أهم عمل في عملية العبور هو صناعة ممرات نمر من خلالها إلى سيناء، ولقد كنت مسؤولًا عن فتح الممر رقم 21 في خط بارليف، فكتبت رواية بعنوان الممر وذهبت إلى رئيس تحرير مجلة الكاتب لينشرها ولكنه طلب اختصارها فرفضت، ولكني تمكنت بعد ذلك من نشرها في الأهرام مقسمة على 4 مرات، سمعت بعدها عن مسابقة تعقدها القوات المسلحة لأفضل عمل أدبي عن الحرب، واتصل بي الشاعر عبد العليم عيسى ليطلب مني الاشتراك في المسابقة، وكنت أعتقد أني أخذت حظي بنشر الرواية وانتهى الأمر، لكنه أصر على مشاركتي، وفوجئت بعدها بالرواية تفوز بالمركز الأول في المسابقة، وقابلني الكاتب الراحل أنيس منصور في حفل التكريم وأبلغني أن اللجنة أجمت لأول مرة على فوز شخص بالجائزة الأولى، الحديث الذي أسعدني كثيرًا، وكانت الجائزة وقتها 15 ألف جنيهًا وكانت وقتها حوالي سنة 1990 أعلى في القيمة المادية من جائزة الدولة التشجيعية، فقمت بطباعة الرواية على نفقتي، ومعها مجموعة من القصص القصيرة التي تتحدث عن الحرب في موضوعها أيضًا، فأصبحت كل أعمالي التي تتحدث عن الحرب -وبصدفة قدرية- مجمعة بين دفتي كتاب واحد”.
شعراء حولهم شعراء
الأمسية الشعرية مثلت الفقرة الثالثة من فقرات ليالي رمضان الثقافية، وشهدت تنوعًا كبيرًا وحضورًا غفيرًا من الشعراء، الذين أتوا من أنحاء الجمهورية المختلفة ليلقوا شعرهم، العجيب في الأمر أن الأمسية الواحدة ضمت أكثر من 10 شعراء، جاء بعضهم من أقاصي الصعيد ليلقي قصيدة واحدة أو اثنتين على الأكثر، الأمر الذي اعتبره البعض دليلًا على الشغف بالشعر، والمحبة للثقافة، وإشارة إلى تنوع المجتمع المصري وقدرته على إنجاب المبدعين بكثرة، في حين اعتبره آخرون سوء تنظيم أدى لأن يكون عدد الشعراء أكبر من عدد المستمعين، وكأننا والشعراء من حولنا شعراء جلوس حولنا شعراء، وهو ما أعاد إثارة نقطة ازدحام البرنامج بالنسبة للوقت المحدد له والذي يجعل كل الكلمات مقتضبة، وكل المناقشات سريعة، وكل الأشعار قصيرة، ما يوجب في السنوات المقبلة تخفيف العدد ليناسب الوقت أو زيادة الوقت ليناسب العدد، مع التفكير الجدي في طرق جديدة لجذب جماهير أكبر يتجاوز عددهم في المرات القادمة أعداد الشعراء.