يأتي مهرجان طنطا الدولي للشعر والذي تقيمه جمعية شعر للأدباء والفنانين بالغربية في دورته الثالثة هذا العام ليؤكد على إمكانية الخروج من العاصمة القاهرة، وتجاوز المركزية الشديدة التي يعاني منها المشهد الثقافي المصري إلى فضاءات أكثر رحابة، ويمثل المهرجان بارقة أمل لمبدعي الأقاليم المصرية المختلفة في ثقافة جديدة لا ترتبط بالمكان، ولا تضطر المبدع للهجرة إلى القاهرة كي يُسمع.
الافتتاح الرسمي
المهرجان الذي يعقد سنويًا بحلول الجمعة الأخيرة من شهر أكتوبر، افتتحه هذا العام الدكتور هيثم الحاج علي رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب نائبًا عن وزير الثقافة الكاتب الصحفي حلمي النمنم، بحضور محافظ الغربية اللواء أحمد صقر، والشاعر أحمد عامر رئيس هيئة قصور الثقافة، والدكتور أحمد شكل نائبًا عن رئيس جامعة طنطا وعن الدكتور أحمد ضبعون نائب رئيس الجامعة، إضافة إلى عدد كبير من القيادات التنفيذية والثقافية، بمشاركة أكثر من عشرين دولة حول العالم، وحوالي 40 شاعرًا مختلفًا.
وفي كلمته الافتتاحية قال الشاعر محمود شرف رئيس المهرجان: “أن المهرجان يعد فرصة لتعزيز القوى الناعمة لمواجهة الإرهاب والتطرف، وأن المثقف يحمل في هذه المعركة قلمًا لا سلاحًا، يحاول به محاربة الجهل ونشر التنوير، مؤكدًا على أن إدارة المهرجان اختارت أن يكون المهرجان بعيدًا عن القاهرة لتؤكد أن مصر بلد آمن في جميع أنحائه وربوعه” ووجه شرف خلال كلمته الشكر لكل من ساهم في نجاح المهرجان سواء كان من القيادات التنفيذية أو من المنظمين والمتطوعين.
من جانبه قال الدكتور هيثم الحاج علي أنه يرحب بالجميع في مهرجان طنطا الدولي للشعر نيابة عن وزير الثقافة، وأكد على دعم وزارة الثقافة لهذه الأفكار التي تحارب الأفكار الظلامية، وأضاف الحاج علي: “لا نملك إلا قلمًا وكلمة، الكلمة التي يمكن أن تتحول سلاحًا وضاءً”، وفي رده على سؤال للإعلامية منى سالمان مقدمة الحفل حول دور وزارة الثقافة في دعم أنشطة الأقاليم والابتعاد عن المركزية قال رئيس الهيئة العامة للكتاب أن الهيئة أقامت 99 معرضًا للكتاب هذا العام في جميع أنحاء الجمهورية دون التركيز على القاهرة فقط، فيما قال محافظ الغربية اللواء أحمد صقر:”أن المرحلة الحالية تتطلب أن يوحد المثقفون فكرهم لمواجهة الإرهاب، مطالبًا الشعراء بالكتابة لمصر”.
شهد الحفل توزيع عدد من الدروع التذكارية على أبرز الحاضرين، وفقرة غنائية مميزة ضمت الكثير من الأصوات القوية للغاية من فرقة التذوق الفني للموسيقى العربية بالأسكندرية بقيادة المايسترو محمود أبو زيد.
الافتتاح الشعبي والأمسية الشعرية الرئيسية
عقب الافتتاح الرسمي توزعت الفاعليات في اليوم الأول من المهرجان على ساحة مسجد السيد البدوي الذي شهد الأمسية الشعرية الرئيسية، ونادي طنطا الرياضي، وقصر ثقافة طنطا، إضافة إلى مركز شباب قرية صناديد.
وشهدت الأمسية الرئيسية فقرات قدمتها فرقة طنطا للفنون الشعبية، حازت اهتمامًا شعبيًا كبيرًا من جانب زوار منطقة السيد البدوي، إضافة إلى العديد من القصائد المصرية والمترجمة للعربية، في حين لم يكن الأمر على نفس النحو في قصر ثقافة طنطا حيث شهدت الفاعلية حضورًا ضعيفًا للغاية ما اضطر المنظمين لإلغائها ونقل الشعراء لساحة ميدان مسجد السيد البدوي، في حين سارت الفاعليات في نادي طنطا الرياضي، وفي مركز شباب صناديد بحسب المخطط.
قراءات صباحية .. وأمسيات ليلية
ومع اليوم الثاني من أيام المهرجان وحتى النهاية يوم الإثنين دخلت القراءات الصباحية حيز التنفيذ فألقى الشعراء المشاركون قصائدهم في أماكن مختلفة توزعت بين كليات جامعة طنطا، ومدارس مشاركة في المهرجان.
على مستوى الكليات شاركت كليات التجارة، الأداب، العلوم، الهندسة، والتربية في استضافة قراءات شعرية، وعلى مستوى المدارس شاركت مدارس المستقبل، مصطفى صادق الرافعي، الأمريكان في استضافة هذه القراءات غير أن استضافة المدارس للحدث أثناء اليوم الدراسي وضعت قيودًا حول استقبال زوار المهرجان، ما جعل هذه القراءات مقتصرة على عدد محدود من الذين يسمح لهم بدخول المدارس، دون أن تكون الدعوة عامة بطبيعة الحال.
أما الأمسيات الشعرية فقد توزعت بحيث تغطي عددًا من قرى ومراكز محافظة الغربية، ولا تتركز في العاصمة طنطا، فأقيمت بعض الأمسيات في نادي زفتى الرياضي، قصر ثقافة كفر الزيات، مركز شباب قرية الدلجمون، مركز شباب قرية إخنواي، منشية الكردي، قصر ثقافة المحلة وغيرها من الأماكن التي حرص منظمو المهرجان على إقامة الفاعليات بها.
مستشفى سرطان الأطفال ومكتبة الأطفال
على هامش المهرجان، وفي اليوم الثالث من فاعلياته، قام الشعراء المشاركون بزيارة لمستشفى سرطان الأطفال 57357 بطنطا، وشاركوا في افتتاح مكتبة أطفال تبرعت بها الشاعرة المصرية أمل جمال، في إطار المرحلة الثانية من مشروع أطلقته بعنوان “جدو محمد”، تضمن في مرحلته الأولى ورش حكي للأطفال، وافتتحت المكتبة في مرحلته الثانية لتخدم أطفال المستشفى، وتوفر لهم فرصة الاستعارة والقراءة في غرفهم أو داخل المكتبة، التي ضمت كتبًا خاصة بالصغار، إضافة إلى مجموعة من المجلات والكتب الخاصة بمرافقي الأطفال من الكبار.
تصريحات خاصة لأخبار الأدب
وبين الفاعليات والزيارات، أدلى عدد من الشعراء بتصريحات خاصة “لأخبار الأدب” حول المهرجان، فقال الشاعر الأسباني (خوان مانويل أوريا): “أنه سعيد بالتواجد في مصر، وبحضور هذا المهرجان، لأنه فرصة جيدة للتعرف على العديد من الأصوات الشعرية المختلفة حول العالم”، في حين أكدت الشاعرة المكسيكية (سيارا نونيو) على تصريحات خوان، وعبرت عن سعادتها بالزيارة الأولى لمصر.
وردًا على سؤال حول الأعداد الضعيفة للحضور في بعض الفاعليات، قال الشاعر المصري سعيد عاشور: “أن الهدف الأساسي من هذا المهرجان بالنسبة له ليس التفاعل الجماهيري الكبير، بقدر ما هو دفع الأجيال الجديدة ناحية الثقافة، وتعريفهم بالشعر” وأضاف عاشور “لو أننا خرجنا من هنا بأربع أو خمس شعراء جدد من الشباب لكان هذا عظيمًا للغاية ومكسبًا للحركة الشعرية”.
في حين قال الشاعر والناقد المصري محمد العقدة: “أن الشعر أنواع كثيرة، وهناك شعر أقرب للجمهور، متمثل في شعر العامية البسيطة، والزجل وغيره من أنواع الشعر، أما شعر ما بعد الحداثة فهو مركب وصعب، ولابد لسامعه أن يكون لديه الحد الأدنى من المعرفة التي تمكنه من تذوقه، وعليه فلا يجب أن نطلب من الشعراء أن يبسطوا قصائدهم كي تكون مفهومة للجمهور العادي، ولكن يجب أن نحافظ على التنوع الذي يسمح بوجود أنواع أبسط من الشعر، وأنواع أخرى مركبة”.
ورغم قلة الأعداد في عدد من فاعليات المهرجان، إلا أن هذا لم يمنع الشاعر المجري “جانوس تيراي” من تسجيل إعجابه الشديد بالمهرجان، وأشاد “تيراي” بالجدية المصرية في التعامل مع الشعر، إذ يعاني الشعر في بلاده من التعامل معه على أساس كونه جزء من الماضي، ولا يؤخذ -على حد قوله- في المجر بمثل الجدية والشغف التي رآها في المهرجان.
الشعر والحرب
من جانبه قال الشاعر اليمني المقيم بالقاهرة هاني الصلوي أن الحرب في اليمن تفرض نفسها على أي شاعر يمني حتى وإن كان يعيش في المهجر، وأن تأثيرها يمتد حتى إلى القصائد الغزلية والذاتية، لأن المآساة أضحت جزءًا من تكوين الشاعر، وقال الصلوي أن الحرب تضطر العديد من الشعراء اليمنيين للهجرة من اليمن رغم أن هناك حراك شعري كبير في اليمن هذه الأيام، وتقدم على مستوى شعر النثر بشكل خاص إلا أن الحرب مدمرة، لدرجة أن بعض الشعراء يبيعون أقلامهم للفرقاء السياسيين.
كتاب المهرجان
على جانب آخر وبمناسبة الفاعليات أصدرت إدارة المهرجان كتابًا بعنوان “أنطولوجيا مهرجان طنطا الدولي للشعر” وضم الكتاب السير الذاتية للشعراء المشاركين والمنظمين ومديري الفاعليات، إضافة إلى قصيدة من إنتاج كل شاعر.
ويعد الكتاب واحدًا من أكثر نواتج المهرجان قيمة، إذ يضم بين دفتيه عددًا من القصائد العربية، والقصائد المترجمة إلى العربية من ثقافات مختلفة، ما يمثل تلاقح فكري مميز، ونظرة على الأداب والتطور الشعري الحاصل في بلدان العالم المختلفة، ما يجعل من دعوات طبع هذا الكتاب على نطاق أوسع، ودعم المكتبة العربية بتواجد هذا الكم الكبير من الشعراء في كتاب واحد أمر له وجاهته.